الدور الأمريكي في العراق بعد الانسحاب..كيف؟

واشنطن – مارك لينش - جون ناجل
بعد سبعة أشهر من الجمود السياسي بعد الانتخابات والاقتتال الداخلي، ظهرت أخيرا حكومة عراقية من نوع ما. وبعد أن يتم تشكيل الحكومة وتكون جاهزة للعمل، تستطيع كل من الولايات المتحدة والعراق الآن العمل نحو تحديد علاقتهما المستقبلية الاستراتيجية.
وفي الحقيقة، هناك بعض العوامل الأخرى التي تحدد الملامح الاستراتيجية بعيدة المدى في الشرق الأوسط والتي تعد أهم من علاقة أمريكا بالعراق. ولكن اليوم، هناك خطر حقيقي يتمثل في أن الفائدة المتراجعة في الأبعاد غير العسكرية للاستراتيجية الأمريكية في العراق ربما تضعف من العلاقة الاستراتيجية بعيدة المدى بأكملها والتي ناضلت من أجلها كل من إدارتي بوش وأوباما.
لقد سحبت إدارة أوباما بالفعل نحو مئة ألف من قواتها العسكرية، وبموجب شروط الاتفاقية الأمنية بين أمريكا والعراق، من المقرر رحيل العدد الباقي من القوات بنهاية العام المقبل. وقد أكد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي يوم السبت الفائت على هذا الموعد النهائي، قائلا إن القوات العراقية قادرة على تحقيق الأمن. ولكن نظرا للفجوات التي مازالت قائمة في القدرات العراقية والرغبة بين معظم القادة العراقيين في شراكة أمنية طويلة الأجل مع أمريكا، لن يكون من قبيل الدهشة إذا ما طلبت الحكومة العراقية الجديدة في النهاية إجراء تعديل على الاتفاقية. فهي ربما تريد ما بين عشرة إلى عشرين ألفا من الطيارين والمدربين ومقدمي الخدمات اللوجستية والقوات الخاصة الأمريكية ليبقوا في البلاد لسنوات قليلة مقبلة. ولو حدث هذا المطلب فإنه يمكن أن يولّد كثيرا من الجدل السياسي في واشنطن.
تخفيضات حمقاء في الميزانية
هذه القوات المتبقية أقل أهمية كثيرا بالنسبة لعلاقة أمريكا بعيدة المدى مع العراق من طبيعة العلاقة المدنية والسياسية الصاعدة. ولكن حتى في الوقت الذي يتم فيه صياغة هذه العلاقة، قام الكونجرس بتخفيض خمسمئة مليون دولار من طلب الميزانية للبعثة المدنية المستمرة في العراق - وهي التي ستكون بمثابة الأساس للعلاقة الاستراتيجية بعيدة المدى – تاركة عجزا مقداره أكثر من بليون دولار.
وهذا يتسبب في تحديات نحو إدراك الفرصة التاريخية للولايات المتحدة لإقامة علاقة مستمرة ذات فائدة للطرفين مع دولة محورية في الشرق الأوسط. وهذه العلاقة هي ذات جانبين، ويحتاج العراق إلى أن يلعب دوره فيها. إن بناء شراكة طويلة الأجل مع العراق يتطلب أن يكون له حكومة فعالة وشرعية وتضم كل الأطراف. ولكن التوافق على حكومة عراقية جديدة يترك عددا من القضايا الملحة بدون حل.
تعتمد العناصر الرئيسية لتقاسم السلطة على وعود ربما لا يتم الوفاء بها. ويهدف المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي تم تصوره حديثا إلى تقديم الإشراف الاستراتيجي والفحص لصلاحيات منصب رئيس الوزراء، ولكنه ليس له وضع دستوري. وسيمثل تحديد توازن السلطة على أعلى المستويات تحديا أمام البرلمان الجديد، وستتيح النضالات السياسية الحتمية فرصا لا نهاية لها لحدوث أزمات جديدة.

الحقيقة الواضحة
وإلى أن يتم حل هذه المشكلات، فإن الحقيقة الواضحة هي أن المالكي قد أصبح الآن أقوى مسؤول تنفيذي في تاريخ العراق بعد صدام، مع قليل من الضوابط والموازنات المؤسساتية.
وهناك العديد من القضايا الحيوية الأخرى تم تركها أيضا في طي النسيان أثناء الشهور الطويلة من الشلل السياسي الذي تلا انتخابات مارس الفائت. فما زال وضع كركوك ومناطق أخرى متنازع عليها لم يحل بعد، كما هو حال التشريع المهم الذي يحكم إدارة حقول النفط والغاز. وما زال الدمج الفعال للمجموعات السنية في العملية السياسية سؤالا مفتوحا، كما هو حال مستقبل الملايين من اللاجئين والمشردين داخليا وممتلكاتهم المفقودة.
وسيكون إسهام أمريكا في التعامل مع هذه المشكلات المستمرة سياسيا ودبلوماسيا في الأساس، وليس عسكريا. ويجب ألا يعني الالتزام بتخفيض عدد القوات العسكرية فك الارتباط السياسي. فالعراق هو بلد مهم لمصالح إيران وتركيا وسوريا والمملكة العربية السعودية ولاعبين إقليميين آخرين كما هو كذلك بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. ومما لا شك فيه أن هذه البلاد ستستمر في أن تكون متداخلة بعمق في العراق سواء بقي الأمريكان في الميدان أو رحلوا.
والوقت الحاضر هو الوقت الخطأ لفك الارتباط بالعراق. فاتفاقية إطار العمل الاستراتيجي الأمريكية العراقية التي تم التفاوض عليها العام 2008 بواسطة إدارة بوش تقدم خطة شاملة لشراكة واسعة بعيدة المدى يمكنها أن تبقينا داخل المباراة – ولكن فقط في حالة تنشيط كلا الطرفين للاتفاقية ووضع الولايات المتحدة التزاما حقيقيا باستمرار الارتباط، يدعمه الموارد الحقيقية، على الطاولة.

على كلا الطرفين دعم الارتباط المستمر
واليوم، على هؤلاء الذين ساندوا "تعزيز" العام 2007 أن يكونوا حريصين على أن يروا ثماره تُجنى، بينما ينبغي على هؤلاء الذين نادوا بالانسحاب أن يؤكدوا على أنه عند حدوث هذا الانسحاب لن تتبعه الكوارث. وفي حين أن العراق بالتأكيد بحاجة إلى تكثيف لعبته السياسية، يجب على الولايات المتحدة أيضا حشد قوتها وإرادتها السياسية للمساعدة في بناء عراق مستقر يمكن أن يكون شريكا للولايات المتحدة في جزء حيوي – ومضطرب للغاية – من العالم. وهؤلاء الذين قدموا حياتهم في هذه المعركة لا يستحقون أقل من ذلك.