** اجعل العادة عبادة **

أسئلة اختلجت بخاطري ، لكنّي لم أفض بها خشية أن تحمل على غير معناها فأرم بكلمات نابية من غير تمحيص لما أرنو إليه فاحتفظت بها لنفسي ، إلا أنّ حبي لهذا المنتدى ومدى شفافية وعقلانية كل عضو فيه جعلتني أطرحها وأكتبها دونما أدنى تردد فإني أخاطب عقولا نيرة مدركة وإني قد أخلصت فيها والله جلّ وعلا وراء القصد ، أسئلتي هي :
- ما التصور الصحيح لمعنى قول الله تعالى " وما خلقت الجنّ والإنس إلا ليعبدون " ؟
- هل عبادة الله تعالى تحتم علينا البقاء في المسجد طوال اليوم ؟
- هل صيامنا كل الدهر يعد من أقرب القربات ؟
- ألاحظ أناسا يذهبون للحج كلّ سنة والعمرة بلا عدد ؟هل هذا أمر لا بد منه لدخول الجنّة ؟

أسئلة أخرى لن أطيل في سرد كل ما يدور ببالي فأرجو الفائدة لا الإطالة ، لا يختلف اثنان أن جميع الأعمال السالفة الذكر هي أعمال صالحة إذا ابتغي بها وجه الله تعالى ، لكن لربما هذه أعمال يطيقها ثلة من النّاس ويعجز عنها الأكثر ، في نظري القاصر لا أتصور أنّ الدين محصور في هذه الأعمال فحسب ، بل لربّما الشخص بعد برهة من الزمن ملت نفسه وكلّت العبادة فقد شقّ على نفسه وحمّلها فوق طاقتها ، العبادة في الإسلام أشمل من ذلك ، نعم ابدأ بما افترضه الله جلّ وعلا وتمسك بسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، لكن أقول أنّه بمقدور كل مسلم ذكرا كان أو أنثى أن يجعل يومه كاملا عبادة لله تعالى ، وذلك بأن يصحب كل عمل يقوم به نية خالصة ينوي بها وجه الله تعالى ، حتى أعماله التي في ظاهرها أنّها أعمال دنيوية ، امزجوها إخوتي وأخواتي بنية العبادة تكن بإذنه تعالى عبادة تثاب عليها ، فمثلا عندما تأكل اجعل نيتك أن تتقوى بأكلك لهذا الطعام على عبادة الله عزّوجلّ ، فتؤدي العبادات بنشاط وهمّة ، أنت في الحقيقة أنّك أشبعت نفسك فالأكل فطرة لا غنى عنه ، فتأكل وتعبد في آن واحد ، عندما تخرج لمدرستك أو جامعتك لتدرس أو تدرّس استحضر نية طلبك للعلم أو أنّك خارج لنشر العلم ، فالكل تحفه ملائكة الرحمن ، واستحضر أنّك أيها الموظف تريد الكدّ على عيالك ومنعهم الحرام أو سؤال النّاس ونعم النيّة هي ، وإذا ما أتيت إلى مضجعك لتنام ، نم على شقك الأيمن ، وادع بدعاء النوم إن كنت تحفظه أو تحفظينه واجعل في نيتك لهذه النومة أن تقوم لتصلي الفجر في وقتها ، لا أشك إطلاقا أنّ نومك هذا تحول إلى عبادة وأنت تغطّ في سبات عميق ، أو حتّى أنك إذا مارست رياضة أيا كانت شرط أن تكون منضبطة شرعا استحضر فيها قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم : " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف " فتمارس هوايتك المفضلة وأنت عابد في نفس الوقت ، بل حتى إنّ نوم الرجل مع زوجته يعد عبادة فقد ذكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ذلك أمام بعض صحابته رضي الله تعالى عنهم ،، فاستغرب أحد الصحابة وردّ قائلا : يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته فيثاب ! فردّ عليه المعصوم : أرأيت لو وضعها في حرام ألا يكون عليه وزر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : كذلك لو وضعها في الحلال كانت له أجر ، فيا سبحان الله ما أجل هذا الدين لمن فهم كنهه ومعناه وتصوره على حقيقته ، لكان بمقدور كل مسلم أن يجعل من يومه كاملا عبادة يثاب عليها وحقق الآية الكريمة التي ابتدأنا بها هذه الفقرة البسيطة التي الله أسأل أن يثيبني عليها وأن ينفع بها .
__________________