بسم الله الرحمن الرحيم
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمديوميات نائب في الأريافشرعتُ منذُ هذا الصباح بقراءة رواية "يوميات نائب في الأرياف" وهيَ للأديب
العالمي الراحل "توفيق الحكيم" رحمة الله عليه
وهيَ أقرب إلى المذكرات الشخصية منها إلى الرواية الدرامية .
يتعرض الكاتب وكاعادتهِ إلى الكثير من الظواهر الإجتماعية الخطيرة ويعالجها بشكلٍ
ساخر أقل ما يوصف بأنهُ رائع للغاية .
وتدور هذهِ اليوميات بأحداثها المتداخلة في إحدى القرى المصرية الفقيرة حيثُ عملَ
الكاتب نائباً للإدعاء العام هناك .
والمدهش في الأسلوب الذي قد اتبعهُ الحكيم هوا أنه يركز على كثيراً من التفاصيل
والتي من النادر أن يلتفتَ لها غيرهُ من الكتاب
وقد يكونُ أسلوبهُ البسيط في تناول الأمور وانتقادها ما جعلَ منهُ أديبً من النادرِ أن
يولد مثلهُ .
ومن يطالع هذا المؤلف القيم سيتفاجئ كيفَ أن الكاتب قد ناقشَ مشاكلَ عدة ربما
أصبحت متفشيةً في وقتنا الحاضر
ونذكر منها مثلاً أنهُ قد ناقش قضية ارشوة وذلكَ من خلالِ حلاق القرية والقروش
القليلة التي يتقاضاها من الفلاحونَ البسط لتحير شهاداتِ الوفيات دونَ التحقق من
سببِ الموت .
وقد ناقش أيضاً سلبيات التمدن الغير مدروس "لاحظوا هنا بأنَ الحكيم قد كتبَ روايتهُ في أوائل الثلاثينيات" وذلكَ في حادثة قطار خط الدلتا
حيثُ اشتهرت إحدى المناطق النائية باعتمادها الكلي في الرزق على تكسيرِ
الحجارة من الجبل وتحميلها على الحمير لبيعها
ومن ثمَ جائت شركة السكة الحديد الإنجليزية وأقامت خطً للقطار واختصت هيَ بنقل
حجارة الجبل وانتزعت بذلك اللقمة من أفواهِ هؤلاء الفقرة .
ويناقشَ الحكيمِ قضيةِ استيرادنا للقوانين الغربية بشكلٍ يفرض علينا التعامل معها
على الرغمِ من اختلافِ حضاراتنا .
وذلكَ حيثُ يذكر في جزءٍ ما من يومياتهِ كيفَ أن المحكمة التي كانَ من المفترضَ أن
يتواجدَ فيها يومياً بصفتهِ ( وكيلاً عن النيابة ) يتناوب على الحكمِ فيها قاضيان
ألأول من القاهرة وهوا لم يوفوت على نفسةِ اللحاق بقطار الحاديةَ عشرَ صباحاً
فكانَ يحكم في القضايا بشكلٍ سريعٍ للغاية فارضاً على الجميع غرامةً مالية وقدرها "خمسونَ قرشاً" فكانوا الأهالي يتجنبونُ بشكلٍ أو بأخر .
وأما القاضي الآخر فهوا كانَ لا يحكم بأكثر من "عشرونَ قرشاً فقط" لذا فقد توافدت عليهِ
القضايا بشكلٍ مهول مما كانَ يثيرُ حيرته .
وقد كانَ هذا القاضي من النوع "الموسوس" فتجدهُ بعدَ سماعهِ لأقوالِ الشاهد
تنتابهُ الشكوك بأنهُ لك يحلف الشاهد اليمين فيجعلهُ يحلف ومن ثمَ يعيد ما قصهُ
عليه من قبل .
ويذكر الحكيم أنهُ قد كانت هناكَ قضية بحقِ أحد الرجال الفلاحين بتهمة غسلهِ للملابس في الترعة "وهيَ مجرى مائي متشعب من نهر النيل"
وعندما حاول الفلاح أن يستةضحَ عن المكان المناسب الذي يمكنهُ أن يغسلَ فيهِ
ملابسهُ لم يمهلهُ القاضي وقالَ له "ده مش شغلي" بعدَ أن حكم عليهِ بالقروشِ المعهودة :
_ إنت ياراجل متهم بأنك غسلت ملابسك في الترعة ،
_ يا سعادة القاضي ربنا يعلي مراتبك ؟ تحكم علي بغرامة لاني غسلت ملابسي ؟
لأنك غسلتها في الترعة .
_ وأغسلهم"فين" ؟
وهنا يحلل الحكيم الأمر بينَ هذا الفلاح المصري البسيط وبينَ القوانين حينها فيقول :
فتررد القاضي وتفكر ولم يستطع جواباً .
ذلك أنه يعرف أن هؤلاء المساكين لا يملكونَ في تلكَ القرى أحواضاً يصبُ فيها الماء
المقطر الصافي من الأنابيب ،
فهم قد تركوا طول حياتهم يعيشون كالسائمة ،
ومع ذلك يطلب إليهم أن يخضعوا إلى قانون قد استورد من الخارج على أحدث طراز .
هذا وقد ترجمت هذهِ اليوميات إلى عدةِ لغاتٍ وذلكَ كالتالي :للفرنسية عام 1939 م ـ عام 1942م ـ عام 1974م ـ عام 1978م .
للعبرية عام 1945م .
للإنجليزية عام 1947م .
للأسبانية عام 1948م .
نشر في السويد عام 1955م .
للألمانية عام 1961 م .
للرومانية عام 1962م .
للروسية عام 1961 .ألرواية من أجمل ما أنتجهُ الأدب العربي المعاصر
أتمنى أن يتمكن الجميع من مطالعتها .
آللهمَ صل على محمد وآلِ محمد